بين دنيا باطما وحسناء خولاني وإعلامنا المتحيز
“لم يستقبلني أحد، ولو لم تكن عائلتي والوفد الذي ذهبت برفقته لعُدْت لوحدي إلى البيت، حزَّ الأمر في نفسي ونسأل الله الإخلاص، ولكني ذهبت لهذه المسابقة من أجل نيل رضى الله تعالى وحتى أُعْلِي عَلَم بلدي في هذا المجال، خصوصا أني أول مغربية وعربية تفوز في هذه المسابقة العالمية.. فقد كنت أود رفع راية بلادي عاليا، ولم أكن أنتظر استقبالا لأني بالأساس كنت متوقعة أنه لن يتم تنظيم استقبال لي، ووقع ما تَوقَّعته، والحمد لله، فأنا لا أنتظر جزاء ولا شُكورا وأجري عند الله سبحانه وتعالى”.
هكذا عبّرت بحسرة الشابة المتألقة حسناء خولاني ذات 19 ربيعا، والطالبة الجامعية بالسنة الثالثة من شعبة الدراسات الإسلامية بالرباط، بعد عودتها من ماليزيا حيث فازت بالمرتبة الأولى في المسابقة العالمية لتجويد القرآن الكريم، صنف النساء، ، لتكون بذلك أول مغربية وعربية تفوز بهذه الجائزة في تاريخ المسابقة التي تنظم سنويا منذ أزيد من نصف قرن، ويحضر الملك والملكة لحفلها الختامي.
الإعلام العربي، والمغربي على وجه الخصوص، أقام الدنيا ولم يقعدها من أجل تألق دنيا باطما في “آراب آيدول” في موسمه الأول الذي قدمته على مدى أسابيع قناة (إم بي سي1 )، وتنافست دور الإشهار على أخذ صور للشابة دنيا من أجل تسويق منتجاتها، حتى غدت صورها تحتل شوارع المملكة، كل ذلك من أجل ترسيخ النموذج الحداثي للمرأة/الجسد،وتكريس صورة خاطئة عن المرأة المغربية لدى المراقب الخارجي.
وفي هذا السياق يأتي التعتيم الإعلامي عن تألق حسناء خولاني، لأنها تقدم نموذج آخر للمرأة، تخشاه الحداثة المزيفة ودور الأزياء العالمية وشركات الإشهار التي تقتات على جسد المرأة، من أجل تسويق منتجاتها، في عالم تحتل فيه صناعة الإثارة بالصوت والصورة واللباس والجسد حيزا كبيرا.
حسناء خولاني تقدم نموذج المرأة/الإنسان، نموذج النجاح الذي لم يعرقله لا الحجاب ولا الحياء ولا العفة، نموذج المرأة المغربية التي اعتنت بكتاب الله على مدى قرون حتى اشتهر المغاربة على مرّ العصور بحفظ القرآن (وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه) كما ورد في الحديث، فليس من تغنى بالقرآن كمن تغنى بكلام الناس.
وحسبك يا حسناء أن شبهك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأترجّة، كما في الصحيح عن أبي موسى الأشعري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجّة طعمها طيب وريحها طيب..”، وحسبك أن رفعك الله إذ وضعك إعلامنا المتحيّز المستعصي عن الإصلاح الرافض لدفاتر التحملات، ففي صحيح مسلم عن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين”.
وحسبك يا حسناء أنك مع السفرة الكرام البررة ، فعن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :” الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ” رواه مسلم، وحسبك أن القرآن سيصحبك إلى دار القرار إن شاء الله، فعن أبي أمامة الباهلي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”إقرؤوا القرآن فإنه يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة”، وفي صحيح الجامع : “يقال لصاحب القران اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها”.
وحسبك يا حسناء أنك من أهل الله وخاصته بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، القائل فيما رواه مسلم عن أنس : “إن لله تعالى أهلين من الناس ؛ قالوا : يا رسول الله من هم ؟ قال : هم أهل القران أهل الله وخاصته”.
وحسبك يا حسناء أن يلبسك الله يوم القيامة تاج الكرامة وحلة الكرامة، ففي صحيح الجامع عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله علي وسلم :” يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيلبس تاج الكرامة، ويقال : يا رب زده، فيلبس حلة الكرامة”؛ بل ويلبس والديك يوم القيامة تاجا ضوؤه أحسن من ضوء الشمس كما جا في الحديث الذي رواه أبو داوود.
فلا تنسي أن والدك كان سببا في عشقك للقرآن، إذ نقلك من متابعة تلك التفاهات التي يشغل بها إعلامنا التافه عقول شبابنا ويملأ أوقاتهم، إلى سماع أفضل الكلام، فكانت لحظة فاصلة في حياتك، انتقلت بسببها من عالم إلى عالم آخر، وهي نقلة كبيرة في الزمان والمكان، لا يشعر بها إلا من ذاق لذة القرآن وحلاوة القرآن.
لا تنسي أن من حق القرآن عليك أن تكرميه بتدبره وتعاهده، خصوصا في هذا الشهر العظيم الذي هو شهر القرآن بامتياز،ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تقصيا من الإبل في عقلها”.
ومن حقك على الشعب المغربي ـ وقد رفعت رأسه عاليا وأزحت عن نسائه تلك الصورة النمطية التي صنعها إعلام الرقص وأفلام الميوعة ـ أن يكرمك كما فعل دائما مع أهل القرآن، ففي صحيح الجامع عن أبي موسى الأشعري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن من إجلال الله : إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط”.
وقد عشنا أجواء إيمانية في المؤتمر السابع لحزب العدالة والتنمية الذي يقود الأغلبية الحكومية، المنعقد أيام 14 و15 من الشهر الجاري، ولو كنا نعلم أثناء التحضير للمؤتمر وترتيب لائحة الضيوف بخبر تألقك في هذه المسابقة العالمية، لتشرفنا باستدعائك مع كبار ضيوف المؤتمر، و لأجلسناك في الصفوف الأمامية بجوار ضيفات عزيزات مثل زوجات الوزراء أوالسيدة توكل كارمان اليمنية الحائزة على جائزة نوبل للسلام، وعلمي بالسيد رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران أنه محب لأهل القرآن.
بل وملك البلاد محمد السادس ـ حفظه الله ـ اختار أن يقترن اسمه بالعديد من المحطات المعتنية بالقرآن وأهله، مثل جائزة محمد السادس للقرآن وإذاعة محمد السادس للقرآن ومؤسسة محمد السادس لطبع المصحف الشريف والقناة السادسة وغيرها، ذلك أن الملوك العلويين أدركوا على مرّ العصور أن أحد الأسباب الرئيسية للاستقرار في هذا البلد الاعتناء بالقرآن وأهله، وهي حقيقة وليست خرافة، فكم من المصائب حلت بجوارنا قد نجانا الله من شررها، نسمي ذلك “الاستثناء المغربي”، وجزء كبير منه بسبب وجود حفظة القرآن وعشرات الآلاف من ختمات القرآن كل شهر بمساجد المملكة، والمدارس العتيقة، ودور القرآن التي نرجو من جلالته أن يلتفت إليها التفاتة عطف، فيعطي تعليماته السامية بإعادة فتحها، فكلها مؤسسات يحفظ الله بها البلاد والعباد.