هل أمن بنكيران غضب الشعب المغربي؟
يبدو من خلال كلام السيد رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران الذي نشرته وكالة الأنباء التركية الأناضول أنه عازم وبقوة على التأكيد و بالقطع، أن الربيع المغربي قد مر على المغرب بسلام،وأن عاصفة التغيير استثنت المغرب لتعصف بدول هي الآن تنعم بالحرية والديمقراطية،بل قد ظهر من كلامه أنه قد أمن مكر الشعب المغربي الذي لم يعرف ربيعا بعد،لأن ما وقع في المغرب من احتجاجات وخروج بعض الحركات المطالبة ببعض الحقوق لا تصل إلى درجة يمكن أن نطلق عليها إسم الربيع الديمقراطي.
قد نتفق مع كلام السيد بنكيران أن المغاربة استجابوا لموقف حزب العدالة والتنمية في مسألة عدم الخروج إلى الشارع ، طمعا في الإصلاحات التي وعدهم بها هذا الحزب عندما كان في المعارضة،والتي تبينت أنها مجرد أحلام ووعود جوفاء هدفها إخماد نار الربيع التي كانت على وشك الاشتعال والتي بدأ النظام وأذنابه يشيطن كل من سولت له نفسه المطالبة بالتغيير،لأن كل هؤلاء في نظرهم دعاة الفتنة بل هناك من ذهب إلى أبعد من ذلك حيث وصفهم بأعداء الوطن.قد نتفق معك يا سعادة الرئيس أن الشعب المغربي لا يريد المغامرة بالنظام الملكي كما تفضلت، وفضل إصلاحات داخلية تحفظ أمن البلاد واستقراره ،لكن لا نتفق مع سيادة الرئيس أن هذه التي تفضل وأطلق عليها اسم الإصلاحات قد احترمت إرادة الشعب المغربي لأنها لو كانت كذلك لما وجدنا شعبية رئيس الحكومة وحزبه تتدنى يوما بعد يوم ، ولوجدنا تجربة العدالة والتنمية يضرب بها المثل ،لكن ليسمح لي السيد الوزير أن ذلك الصمت وذلك الهدوء الذي اعتبره ربيعا مغربيا من مفهومه الخاص هوفي الحقيقة ليس كذلك بل إنه الهدوء الذي يسبق العاصفة أحيانا .
كل هذا لا يدعونا للتعجب ولا للاستغراب من كون رئيس الحكومة يدافع عن نفسه وعن حكومته لأنه هو من بدأ هذه المسرحيات وأرغم الشعب المغربي على مشاهدتها.كيف يمكن للسيد بنكيران أن يصف ما وقع في المغرب من إصلاحات ذهب ضحيتها شعب بأكمله بأنها ربيع مغربي؟كيف يمكن لسعادة رئيس الحكومة أن يختزل كل مطالب الشعب في مطالب اجتماعية محضة وكأن المغاربة لا يهتمون بالسياسة ولا يطالبون بإصلاحات في حقلها.
إذا سلمنا جدلا أن المطالب التي رفعت من قبيل إسقاط الفساد والمفسدين وغيرها من المطالب كلها مطالب اجتماعية عادية وطبيعية على حد قوله فالسؤال الذي يطرح والذي أمامه علامة استفهام ضخمة هل تحقق ولو مطلب واحد من هذه المطالب التي رفعها الشعب المغربي والتي هي في نظر النظام ورئيس الحكومة اجتماعية محضة ،نحن بدورنا نتساءل ونساءل سعادة الحكومة إذا كان الربيع المغربي قد حل بالفعل فما هو الجديد الذي جاء به هذا الربيع؟
قد يكون الربيع المغربي قد حصل بالفعل بوصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكومة، قد يكون الربيع المغربي الذي يتحدث عنه السيد بنكيران هو الدور الذي أتقنه لتمويه المغاربة وجعلهم يعتقدون أن ما وقع في الدول الإسلامية وفي دول المغرب الكبير لن تأتي إلا بردا وسلاما على المغاربة ،وأن ما فشلت في تحقيقه الشعوب التي وهبت دمائها من أجل التحرير قادر أن يحققه حزب إسلامي استغل الدين من أجل الوصول إلى سدة الحكومة وليس الحكم، والدليل شاهد على ما نقول من خلال ما وقع في الحملة الانتخابية من استعمال للرموز الدينية في الحملة الانتخابية والتي بث فيها المجلس الدستوري وقضى بعدم قانونيتها ومن ثم إلغائها، هذه بعض مما ظهر لنا وما خفي كان أعظم.
نحن لا نلوم السيد بنكيران الذي لا يفوت فرصة إلا يطبل ويزمر لحكومته التي بدأت بوادر فشلها تظهر منذ البداية ،والتي تبين أنها عاجزة على تنزيل حتى مضامين ذلك الدستور الذي تعتبره دستورا ديمقراطيا يستجيب لمتطلبات الشعب المغربي ،لكن ما نعاتبه على سعادة الرئيس ألا يأمن غضب الشعب المغربي الذي وصل به السيل الزبى ،وأصبح أكثر حرصا على التغيير ،فالشعب الذي يعتبرونه قبل باللعبة لم يعد كذلك، وأنه ينتظر الفرصة التي يسقط فيها القناع ليعيد رسم خارطته السياسية والاجتماعية ،حري بحكومتنا ورئيسها أن يتعلما الدرس من حكومة الدول التي شهدت ربيعا عربيا حقيقيا ،كمصر التي جاء الربيع الديمقراطي رحمة عليها حيث أنعمت عليها الثورة برئيس تواضع لله ثم للشعب ففضل الاستماع لهموم الشعب المصري والإجابة على أسئلتهم عبر الأثير.هل يستطيع السيد بنكيران الذي يتحدث
من برجه العاجي أن يفعل ما فعله السيد محمد مرسي أو على الأقل أن يعطي وجها آخر للشعب المغربي وجعله يعتقد أن الحكومة الجديدة لديها نية صادقة في التغيير والحذو نحو الإصلاح الحقيقي الذي يطمح إليه الشعب المغربي وليس الإصلاح الذي تتباهى به الحكومة الجديدة ويتباهى بها رئيسها في كل وقت ومناسبة معتقدا منه أنه قادر على الضحك على ذقون المغاربة مرة أخرى واستغلالهم من جديد ،متجاهلا أن الشعب المغربي قادر على خلق المفاجئات في أي لحظة ،بل قادر على أن يقود المغرب نحو مرحلة جديدة ونحو تغيير حقيقي.