رياح أزمة “منطقة اليورو” الباردة تهب على الاقتصاد المغربي
تهب رياح باردة من أوروبا على الاقتصاد المغربي حاملة معها تأثيرات أزمة “منطقة اليورو”، لتتسبب في تراجع نسب النمو، بعد عقد اقتصادي مزدهر. ومن أهم الآثار على الاقتصاد المغربي المترتبة عن الركود الاقتصادي في أوروبا، الشريك الرئيسي للمملكة، تراجع عدد السياح الأوروبيين، وانخفاض الاستثمار الأجنبي، وتضخم عجز الموازنة (+6%) واختلال الميزان التجاري، وهي آثار تكبح بشكل واضح النشاط الاقتصادي للجار المغربي في شمال أفريقيا.
ويرى عبد اللطيف الجواهري، محافظ بنك المغرب “أن المحيط الدولي قد تدهور بشكل كبير منذ الربع الأول لهذه السنة، مسجلاً معدلات نمو سلبية وحالة ركود اقتصادي في البلدان الشريكة”. ونتيجة لذلك، توقع محافظ (والي) بنك المغرب ان يقل معدل النمو في المغرب خلال 2012 عن 3%، مسجلة انخفاضاً ملحوظاً مقارنة مع ما جاء في قانون الموازنة الذي توقع نسبة نمو تبلغ 4,8%.
وحسب المندوبية السامية للتخطيط فإن نسبة النمو تراجعت خلال الربع الأول إلى 2,8% مقابل 5,6% خلال الفترة نفسها من السنة الماضية. ويرجع السبب الرئيس لخفض توقعات النمو إلى الجفاف الذي أثر بشكل كبير على الموسم الزراعي والى ضعف النشاط الاقتصادي في البلدان الشريكة. وتشكل الزراعة حوالي 15% من الناتج الداخلي الخام.
وقال صلاح هارون، الخبير الاقتصادي،: “إن الأزمة في أوروبا تؤثر علينا وتفاقمها قد يؤثر أكثر على النشاط الاقتصادي في المغرب. ومع ذلك، فإن المغرب قد شرع منذ سنوات في إجراء إصلاحات سمحت له بمقاومة الأزمة”. وعلى الرغم من أن الاستثمار الأجنبي المباشر انخفض بشكل حاد خلال العامين الماضيين، إلا أن المملكة باشرت مشاريع كبيرة، خاصة في مجال البنيات التحتية الرئيسية (الموانئ، الطرق، المناطق الحرة والصناعات التصديرية) من أجل الإعداد للمستقبل.
ودعت مريم بنصالح شقرون، رئيسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الشركات المحلية إلى “جعل المغرب مركزاً لأفريقيا، وبوابة لمنطقة الشرق الأوسط”، وذلك خلال ملتقى اقتصادي دولي نظمه “التجاري وفابنك”، اكبر بنك مغربي.
ويتمتع المغرب اليوم بتشريعات ملائمة، تجعل الصناعات التصديرية الدولية تختار الاستقرار فيه على نحو متزايد (شركة رونو لصناعة السيارات، وشركة بومبارديي لصناعة الطائرات)، وتستثمر مئات الملايين من الدولارات في الاقتصاد. لكن هذه المشاريع تبقى غير قادرة على خلق ما يكفي من فرص العمل في بلد يبلغ تعداد نسمته 33 مليوناً، وتعيش غالبيته في الفقر والبطالة التي تنتشر بشكل خاص في أوساط الشباب. وعلى الرغم من تحقيق الاقتصاد المغربي لمتوسط نمو نسبته 5% خلال السنوات الخمس الأخيرة، إلا أن أسسه لا تزال هشة وأداءه بعيد عن أداء الأسواق الناشئة. وحققت السياحة، التي تعد من اهم محركات الاقتصاد المغربي، نتائج سلبية بداية السنة، فقد ختمت الأشهر الستة الأولى بتسجيل انخفاض في ليالي المبيت في الفنادق المصنفة، بلغ نسبة 4% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، مع تسجيل انخفاض في عدد السياح الفرنسيين والإسبان والألمان.
وقال مدير احد الفنادق الكبيرة في مدينة مراكش، الوجهة الأولى للسياحة في المملكة، “إن نسبة امتلاء الفنادق جد متوسطة، والمستثمرون في القطاع بنوا الكثير من الفنادق خلال السنوات القليلة الماضية، وهي الآن شبه خاوية خصوصاً مع تزامن شهر رمضان مع العطلة الصيفية”.
وتشكل السياحة إلى جانب صادرات الفوسفات وتحويلات المغاربة المقيمين في الخارج المورد الرئيسي للعملة الصعبة في البلاد. وما زال هذان القطاعان الأخيران يحافظان على أدائهما، ويساعدان نسبيا في تعويض بعض العجز التجاري الكبير الذي بلغ في النصف الأول رقما قياسيا وصل إلى حوالي 100 مليار درهم (9 مليارات يورو)، بسبب فاتورة الطاقة التي تشكل 40% من واردات المغرب.