المجتمع التونسي يشهد تحولا جذريا نحو العودة للالتزام والتدين
رغم تأكيد الرئيس التونسي منصف المرزوقي في خطابه أمام النواب الفرنسيين بأن تونس لم تسقط في “محفظة” الإسلاميين وإنما سقطت في النهج الديمقراطي ، مطالبا البلدان الغربية بدعم مسلسل التحول الديمقراطي الرائد الذي تشهده تونس منذ قيام الثورة ، فإن رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية ” كلود بارتلون ” طالب في خطابه الترحيبي بالرئيس التونسي ” بالعمل من أجل الموائمة بين الإسلام والديمقراطية ” معتبرا أن تونس تشهد تحولا متزايدا نحو أسلمة الحياة العامة منذ سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
وبينما كان الرئيس التونسي الأسبق لحبيب بورقيبة يستدعي كاميرات التلفزيون لتصوير مشاهد خلع الحجاب عن النساء التونسيات غداة استقلال البلاد ، يبدو الحال اليوم مغايرا تماما حيث تتسابق النساء لارتداء الحجاب من جديد في تونس ما بعد الثورة .
مظاهر التدين تبدو اليوم واضحة للعيان في تونس الجديدة ، حيث تمتلئ واجهات المحال التجارية بالملابس الإسلامية كالحجاب والنقاب . بينما غطت الشعارات الإسلامية الجدران داعية الى الجهاد ، ومتوعدة بالموت كل من يسئ بالقول أو الفعل لله تعالى أو لنبيه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) في حين ترتفع أصوات المآذن بالنداء لصلاة الفجر منذ الساعة الثالثة والنصف ، دون أن يؤدي ذلك لأي احتجاجات أو ردود فعل غاضبة .
ومن حين لاخر تقوم مجموعات سلفية ببعض الأعمال المثيرة للجدل كمهاجمة المسارح ومراكز الفنون ، وتعطيل الدراسة بجامعة منوبة بدعوى الدفاع عن ارتداء الحجاب ، مستغلين ضعف أجهزة الدولة لفرض فهمهم ورؤيتهم للإسلام .
والواقع أن المجتمع التونسي يشهد تحولا جذريا منذ قيام الثورة أبرز تجلياته العودة الواسعة للالتزام والتدين ، وهو التوجه الذي عززه بقوة فوز حزب النهضة في انتخابات الجمعية التأسيسية الأخيرة .
أكبر الخاسرين من هذا التحول الجديد في تونس هو قطاع السياحة ، الذي شهدت عائداته تراجعا كبيرا منذ قيام الثورة ، نظرا لتناقص أعداد الزوار من البلدان الأوروبية وكذلك من بعض البلدان العربية .
وقد جاءت تصريحات أبو يعرب مرزوقي – احد المستشارين بالرئاسة التونسية – والتي اعتبر فيها السياحة ” مظهرا من مظاهر البغاء ” لتزيد من مشاكل هذا القطاع ، الذي لا يبدو أنه مقبل على الانفراج في المستقبل القريب .
وفي رده على سؤال لمراسل إحدى القنوات الإخبارية الفرنسية اعتبر الرئيس التونسي المنصف المرزوقي نفسه وسطيا ، مشيرا إلى أن جميع الأحزاب التونسية بما في ذلك حزب النهضة تتخذ نهجا وسطيا .
ولاشك أن هذه المواقف إضافة لتصريحات راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة المطالبة بالتهدئة والبعد عن الإثارة والصدام ، تحجب خلفها مشهدا سياسيا جديدا قائما على دعامتين أساسيتين هما الإسلام والوطنية .
ويبدو المجتمع التونسي اليوم – كحال باقي المجتمعات العربية – أكثر حرصا على العودة للجذور ، وأكثر رفضا للاختلاف والتنوع .
وفي حين حافظت تونس في عهد الرئيس السابق بن علي على مكتسبات نظام الرئيس الأسبق بورقيبة ، يبدو أن النهج الإصلاحي الجديد الذي يقوده راشد الغنوشي والمنصف المرزوقي يظهر رغبة واضحة في العودة للماضي .
وقد جاء البيان الختامي لمؤتمر حزب النهضة – الذي اختتم أعماله قبل عدة أيام – ليؤكد هذه الحقيقة ، حيث أعلن عن البدء في إصلاح تعليمي شامل في تونس انطلاقا من التجربة الرائدة لجامعة الزيتونة ، هذا على المستوى المحلي ، أما على المستوى الخارجي ، فقد أعاد البيان الختامي لمؤتمر حزب النهضة إحياء ثوابت قديمة هي التأكيد على الوحدة العربية والإسلامية ، وتجريم إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني .
وهي المواقف التي لا يبدو بحال من الأحوال أنها قد شكلت صدمة للرئيس التونسي المنصف المرزوقي .