العطري: “ليلة 27” مازالت تشكل مناسبة استثنائية عند المغاربة
تحل “ليلة 27” من جديد هذه السنة بنكتها الاحتفالية والفولكلورية، على اعتبارها “ليلة القدر” في المعتقد السائد عند المغاربة، وما تصاحبه من تمثلات اجتماعية وتعبدية تجعل منها ليلة ليست كباقي الليالي.. حيث الاحتفال بالصيام الأول لدى الأطفال وأطباق الكسكس داخل المساجد وفي كل البيوت، إضافة إلى امتلاء المساجد حتى وقت السحور.. لتصبح بعدها خاوية على عروشها آذنة بانتهاء “موسم” رمضان قبل أوانه.
من وجهة نظر سوسيولوجية، يرى الباحث عبد الرحيم العطري، أستاذ علم الاجتماع والباحث بكلية الآداب العلوم الإنسانية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، أن ليلة 27 من رمضان الفضيل تشكل مناسبة استثنائية في المجتمع المغربي، على اعتبار أن شهر رمضان بحد ذاته يندرج في إطار فلسفة “التعييد” و”العواشر” عند المغاربة، أي الاحتفال بكل ما هو اجتماعي، في رأي العطري، حيث توجد عدة طقوس احتفالية على مدار 30 يوما من رمضان، والتي ترتفع ذروتها في ليلة 27، توجب معها مجموعة من الممارسات الغارقة في القدم “منها ما هو ديني صرف وبعضها يعود إلى ما حاكته الذاكرة الجماعية لسنوات طوال”.
وليلة “القدر” في نظر الباحث المغربي، مهمة من الناحية الاجتماعية، لأنها تعرف حضور طقس “الكسكس”، المقدس عند المغاربة، والذي يستوجب معه الفطور الجماعي واللقاء الأسري.
كما يشكل الاحتفال بالصيام الأول لدى الأطفال، طقسا “عبوريا” من سجل الطفولة إلى سجل الرشد، والذي يكون حاضرا بقوة في المجتمع القروي كثيرا، حيث نجد أن “حد الصايم” له دلالة قوية، لكون الجماعة لا يمكن أن يلجها إلا من توفر فيه “حد الصايم”، أي الذي بلغ درجة البلوغ وأصبحت له إمكانية الحضور في سجل الراشدين”، يضيف العطري.
وعن مدى حفاظ هاته المناسبة على ثباتها أو تغيرها في الوقت الحالي، يجيب عبد الرحيم العطري، أن الأمر طرأ عليه بعض التغيرات القيمية، قائلا: “فإذا كانت العائلات تلتئم قبلا في ليلة القدر حول طبق الكسكس، فاليوم يمكن القول بأن هذا الطقس بات يحضر بشكل قليل، نتيجة طغيان الفردانية في المجتمع”، مضيفا أن الاحتفال بالصيام الأول صار يعرف ممارسات وافدة، من قبيل الماكياج والدقايقية وأخذ صور تذكارية بالقفطان المغربي و”أحيانا بألبسة بعيدة عن هويتنا كاللباس الهندي وغيره.. هذا في الوقت الذي كان يقتصر على البساطة من قبل”.
ويسترسل الباحث في علم الاجتماع، أنه ورغم تلك التحولات، فلا يزال الجانب التعبدي والإحساني مستمرا وحاضرا. “ولهذا نلاحظ أن المساجد تؤم أكبر عدد من المصلين بحيث تظل مفتوحة فيما تستقبل العشرات من قصع الكسكس”.