بلقاضي: خطاب الملك ديمقراطي يسعى للتغيير في سياق الاستمرارية
احتفل المغاربة بالذكرى الثالثة عشر لتولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم، وتأتي احتفالات هذه السنة، وهي الثانية بعد المصادقة على الدستور الجديد لفاتح يوليوز 2011، كمحطة أساسية لتجديد البيعة بين الملك محمد السادس والشعب المغربي، وتعد فرصة سانحة لتأكيد التلاحم بين الثلاثي الذي شكَّل وما يزال يشكل المقومات الرئيسة للدولة المغربية: وهي الإسلام والملكية والوطن..
فما الذي حققه المغرب على مستوى الانتقال الديمقراطي؟ في زمن الثورات، الإصلاح في ظل الاستقرار.
ورغم اختلاف تقييم التجربة من باحث لآخر، ومن مقاربة إلى أخرى، ورغم اختلاف المقاربات ومرجعيات الباحثين، سجلنا شبه إجماع بأن عهد الملك محمد السادس يختلف كثيرا عن عهد الراحل الحسن الثاني، الذي ورث عنه ملك المغرب الجديد محمد السادس مغرباً في وضعية صعبة على مختلف الأصعدة والمستويات.
خطاب ديمقراطي وإنساني
وما يُسجَّل للملك محمد السادس حسب ميلود بلقاضي، أستاذ تحليل الخطاب السياسي والاتصال المؤسساتي هو حفاظه على استقرار البلاد وكيفية تدبيره لانتقال السلطة، ودعم ذلك باتخاذ عدة قرارات وصفها بلقاضي بالشجاعة، وتحقيق إنجازات هامة لم تُخف أيضا بين طياتها بعض الإخفاقات والتعثرات.
وحول سؤال عن أهم إنجازات العهد الجديد، أوضح بلقاضي بأن خطاب محمد السادس يتميز بتيمات ومصطلحات ينتمي جلها إلى لغة الخطاب الديمقراطي المستمد لمرجعياته من لغة الفكر الإنساني، مما جعلها مفاهيم ذات دلالات تجسد ـ أولا ـ أنسنة الخطاب الملكي، وتعكس ـ ثانيا ـ إرادة الملك القوية في التغيير، لكن في ظل الاستمرارية”.
أما منهجيا فقد رسخ الملك، وفق نفس المتحدث، منهجية سياسة تعتمد القرب في التواصل من خلال الحد من الوسائط بينه وبين الشعب، وعبر تنقلاته في كل جهات المملكة للاستماع إلى انتظارات المغرب الصامت.
وحول الواقع الحقوقي في البلاد، أكد بلقاضي أن محمد السادس امتلك شجاعة سياسية تمثلت في تشكيله لهيئة الإنصاف والمصالحة، وتكليفها بدراسة ملف الانتهاكات الجسيمة، وجبر ضرر الضحايا والكشف النسبي عن أهم الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري التي عرفها المغرب.
وشدد بلقاضي، في تصريحاته ذاتها، على أن هذه التجربة تدخل في إطار ما يعرف دوليا بالعدالة الانتقالية التي تؤمن التحولات السياسية المرنة والسلسة والسلمية، وتسمح بمصالحة الذات الجماعية والتاريخ، وتعمل على منع تكرار مثل هذه التجارب القاسية في المستقبل.
مُنجزات العهد الجديد
وسرد بلقاضي إنجازات قال إنها تُحسَب للعهد الجديد، ومن ذلك إقرار مدونة الأسرة التي تعتبر “ثورة حقيقية سياسيا وتاريخيا لأنها أرست علاقات جديدة داخل الأسرة “، واصفا إياها “بالخطوة الحداثية الكبيرة الماضية على درب إرساء أسس مجتمع متوازن يحفظ لكل فرد حقوقه وواجباته”.
أما إعلاميا فقد عمل الملك، حسب المحلل السياسي، على تحرير قطاع السمعي البصري ووضع نهاية لاحتكار الدولة لهذا القطاع، وإن كان هذا التحرير لم يترسخ بعد في سلوك وعقليات المسؤولين عن هذا القطاع اتجاه حرية التعبير، وتدبير ثقافة الإنصاف وتكافئ الفرص والتعددية والاختلاف.
وأردف بلقاضي بأنه على الصعيد الثقافي جسَّد دسترة الأمازيغية كلغة رسمية للمملكة، إلى جانب اللغة العربية، مشيرا إلى أن ذلك يعد رصيدا لكل المغاربة، وفيه شجاعة سياسية كبرى تحسب للعهد الجديد، وإن كانت على مستوى القوانين التنظيمية ستعرف عدة صعوبات ونقاشات حادة بالنسبة لكيفية أجرأتها كلغة رسمية.
وفي الجانب الاقتصادي، قال بلقاضي إن المغرب شهد إطلاق مجموعة من الأوراش الاقتصادية الكبرى التي همت البنية التحتية والمشاريع المهيكلة الكبرى، بالإضافة إلى ورش المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تعد حسبه “برنامجا طموحا والورش الاجتماعي الأكبر” لمحمد السادس.
وفي تقييمه للتجربة من الناحية القانونية، أشار أستاذ تحليل الخطاب السياسي والاتصال المؤسساتي إلى ما اعتبره تنازلا من قبل الملك عن بعض صلاحياته في دستور 2011 الذي دشن لما يصفه البعض بدستور المملكة الثانية، مشيرا إلى أن الملك وظف ورش الإصلاح الدستوري في زمن «الربيع العربي» بكيفية ذكية مكنت البلاد من الانتقال من مرحلة الانفتاح السياسي إلى مرحلة الانتقال الديمقراطي المؤسساتي والحداثي.
مفارقات غريبة
وسجل بلقاضي أن عملية تطبيق مقتضيات هذا الدستور ما زالت بطيئة، وتعرف مقاومة شرسة من لوبيات مقاومات التغيير، مسجلا الالتزام بمقتضيات الدستور وتقوية محيطه، والاهتمام بالسياسة الداخلية على حساب السياسة الخارجية.
وختم بلقاضي حديثه بالقول إن عهد الملك محمد السادس يتميز بإنجازات هامة سياسيا واقتصاديا ودستوريا وحقوقيا، لكن عددا من الباحثين يرصدون مفارقة غريبة بالمغرب تمثلت في كون ما تحقق في مجال التنمية الاقتصادية رافقه تراجع واضح في مجال التنمية الاجتماعية، واتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء وتقلص الطبقة الوسطى”.
وزاد بأن “ما تحقق في الإصلاح السياسي واكبه استمرار التحكم في السياسة والأحزاب، وما تحقق في مجال الحريات العامة رافقته بعض الخروقات، وما جاء به الدستور من صلاحيات تتعلق بفصل السلطات ما زال يواجه صعوبات للحد من منطق التحكم”.
وأضاف المتحدث بأن اختيار المؤسسة الملكية للخيار الديمقراطي “يبقى محدودا دون قيام باقي المؤسسات من أحزاب وحكومة وبرلمان وإعلام ومجتمع مدني بمهامها الدستورية لتواكب وتيرة عمل الملكية، لأن المواطن أصبح يلاحظ بأن المغرب يسير بوتيرتين: وتيرة المؤسسة الملكية، ووتيرة باقي المؤسسات، وهذا خطر على مستقبل البلاد. فمتى ستتوحد وتيرة أجندة الملكية مع أجندة الحكومة والبرلمان والأحزاب؟ يتساءل بلقاضي.