كيف تحولت زنازن السجون إلى مراكز تجارية
أنشطة تجارية استثنائية بفضاء استثنائي! الأمر أشبه ببورصة تقليدية تغزوها طقوس المقايضة القديمة التي تفرضها أنماط العيش داخل السجون. هي مغامرات تصطبغ بالصمت والتواطؤ والإذعان بين السجين والسجان. البعض يعتبرها أعرافا مرجعية لتنظيم الحياة داخل عالم السجون، بينما آخرون يعتبرون اللجوء إلى صنوف المتاجرة داخل السجون طرقا ملتوية من أجل تحصيل حقوق مصادرة ولو إلى حين .. أما البعض الآخر فيصنف الممارسات المذكورة كصورة من صور الاغتناء غير المشروع !
«لي بغيتيها كدور في الحبس! أي حبس يخطر على بالك! » بثقة تصل حد الإيمان يصرح كمال أحد السجناء السابقين ممن مروا بتجربة الاعتقال بالجناح 4 بسجن عكاشة بالدار البيضاء. بالنسبة لكمال فالمخدرات التي يكثر عليها الطلب داخل الزنازن هي الحشيش وحبوب الهلوسة في مرتبة أولى، ثم «السيلسيون» و«النفحة» و«الكالة» في مرتبة ثانية، كان يتم ترويجها أمام عينيه حينما كان يقضي عقوبة حبسية بتهمة السرقة الموصوفة. و«راسْ الوْقيدة» من مخدر الشيرا -وهو مصطلح للدلالة على قطعة صغيرة بحجم رأس عود الثقاب- يباع بحوالي 10 دراهم، ويمكن أن يتضاعف ثمنه في رمضان حينما تشح المخدرات بسبب الحملات، علما أن ثمنه الحقيقي لا يتجاوز ثلاثة داهم.. كما أن ورقة «النّيبرو» (اللّفافة) تباع داخل الزنازن بدرهمين عوض 20 سنتيما، إضافة إلى تجارة السجائر التي تعد العملة الرائجة بعالم ما وراء أسوار السجون٠
باحات تحت رحمة “البزناسة” !
تصريحات كمال حول وجود تجارة للمخدرات قائمة الذات بالسجون، تطرح مجموعة من الأسئلة من قبيل كيفية وصول المخدرات إلى السجون، ف«شيف شومبر» هو المزود الرئيسي للزنازن بالمخدرات، يؤكد كمال، ولكن:«منين جاه الحشيش؟ واش طاح عليه من السما؟؟» يضيف كمال، قبل التأكيد على أن جميع أنواع المخدرات التي ترد السجن لها مصدران اثنان: إما عبر «القفة» التي تفد في زيارات أهالي السجناء، أو بعض الحراس الذين يتواطؤون مع بعض المساجين ذوي النفوذ بفضل قوتهم الجسمانية وبطشهم بباقي السجناء، كما أن أهالي السجناء يبتدعون طرقا لا تخطر على البال من أجل إيصال المخدرات إلى أقاربهم المسجونين٠
بعد أن مج نفسا عميقا من سيجارته الشقراء، وغاص في أعماق ذكرياته عندما كان معتقلا، أردف كمال:«قليلة هي الحالات التي ينجح فيها أقارب النزلاء في تسريب بعض أنواع المخدرات، وحتى إن تمت، فالكميات المهربة تعتبر ضئيلة مقارنة مع ما يجلبه بعض الحراس من الخارج، حتى أني ذات يوم، تسربت إلى أنفي رائحة “السليسيون”، ولما بحثت بين السجناء، وجدت أحدهم غارقا في أنفاسه المخدرة، ولما سألته عن مصدر اللصاق، أجابني بأنه اقتناها من حارس السجن بمبلغ 40 درهما، علما أن اللصاق لا يتجاوز ثمنه عند بائعي العقاقير الثمانية دراهم!»٠
سجين سابق آخر يلقب بـ«سطيكة» أكد بدوره وجود شبه سوق منظم بالسجون التي قضى فيها عقوبات مختلفة كسجن الزاكي وعكاشة في أواخر التسعينات، فثمن الحبة الواحدة هناك يتراوح بين 40 و50 درهما وقد تصل إلى 60 درهما أيام السبت والأحد، بل هناك من يلجأ إلى اقتنائها، مقابل منح “البزناس” بعضا من ممتلكاته، كالمذياع، أو بطاقة التعبئة، أو علب السجائر، أو بعض الملابس…»٠
سجين آخر رفض الكشف عن هويته، قضى عقوبة حبسية بسجن بوركايز بفاس سنة 2006، كان شاهدا على عملية إحباط تهريب كمية هائلة من المخدرات إلى باحة السجن المحلي بهذه المدينة حيث كان بطل هذه العملية حارسا للسجن. ومن الحيل التي كان يعتمدها أحد حراس بوركايز في تسريب كميات الحشيش، هو استعمال هذا الحارس هاتفه النقال، إذ استطاع بواسطته إدخال كميات كبيرة من الحشيش، تصل إلى حوالي 150 غرام عند كل عملية، ويصف مصدرنا هذه العملية قائلا: «لقد أفرغ هذا الحارس هاتفه من جميع قطعه الإلكترونية، ولم يحتفظ إلا بشاشته وكذا الشفرة المطاطية التي تضم الأرقام، كما يصمم قطع الحشيش وفقا لقالب الهاتف، بعدها يثبت قطعة الحشيش في المكان المخصص لها داخل هاتفه النقال، كما لو أنه يثبت البطارية، وعند إنهاء العملية، يدخل باحة السجن بكل أريحية، (وعين ما شافت وقلب ما وجع)”؟!
حفيظ بن هاشم المندوب العام للسجون، كان قد حكى لوسائل الإعلام حكاية طريفة حدثت له حينما تم تولى المسؤولية، حيث كان يتجول في بهو سجن عكاشة عاين باعة السجائر يمارسون نشاطهم المحظور بطريقة واضحة ودون خوف من مدير السجن أو حراسه، ووجد نفسه فجأة وسط سوق حقيقي لبيع السجائر، أو كما سماها «فراشة»، وليس سجنا لتأديب مقترفي الجرائم. وأضاف بنهاشم أنه وضع، أسابيع بعد تعيينه، إستراتيجية لمحاربة بعض الظواهر السلبية المنتشرة في السجون، إذ شكل فرقا خاصة يرأسها مدير أمن السجون، مهمتها القيام بعمليات تفتيش مفاجئة للسجون، مضيفا أنه قام بتفتيش مجموعة من السجون واكتشف وجود كميات من السجائر والهواتف المحمولة وبعض الممنوعات، وفتح تحقيقا في الأمر٠
تجارة من لحم ودم !
بعيدا عن منطق الإصلاح المفترض داخل منظومة السجون، تطل بعض الممارسات اللاقانونية لتجعل من الشعار المكرس من أجل تهذيب السجناء، عبارة عن شعار رتيب، يخفي وراءه حكايات تبدو غير مألوفة تنعت بالخيالية في بعض الأحيان عن تجارة من لحم ودم، تجعل البعض من السجناء، يرضخون لنزوات الأقوى منهم فحولة من أجل تأمين “حماية خاصة”، وتأمين مورد مادي، يمكنهم من مواصلة العيش حسب قانون الزنازين.
بعيدا عن خانة القصص الاعتيادية عن عالم السجون، تطفو على السطح بعض الوقائع التي تحمل في طياتها، توصيفات عن مؤامرات الصمت والتواطؤ اللذان يجمعان بين السجين والسجان، حيث تتقاطع المصالح، وتتعدد المكاسب. ممارسات تضرب بجذروها بين ثنايا يوميات السجن الثقيلة والمملة، ويزيدها قتامة أحاسيس بعض السجناء، اللذين عجزوا عن الوقوف بوجه «التحالف» الحاصل بين الأقدار وقوانين المؤسسات السجنية، ليجدوا أنفسهم في مواجهة تجارة وقودها عرق الأجساد.
فحسب شهادات بعض السجناء السابقين، فظاهرة كراء المؤخرات الرجالية، مرتبطة بثقافة سلوكية تجتاح المؤسسات السجنية، حيث تصبح هذه الأخيرة، وبفعل ظاهرة الاكتظاظ، مرتعا ومسرحا لشيوع بعض الممارسات والسلوكات غير اللائقة بسبب عدم الفصل بين المراهقين وغيرهم من الذكور الذين يتجاوزن عتبة 20 سنة.
يقول عز الدين (سجين سابق)، أن الممارسات الجنسية داخل زنازين سجون “اللائحة السوداء”، منتشرة بشكل قوي على مرأى من الأجهزة الإدارية المكلفة بالإشراف على المؤسسات السجنية. وأورد هذا الأخير أنه رغم وجود بعض الموظفين النزهاء، الذين يرصدون الممارسات الجنسية الفاضحة، إلا أنه «في المقابل، هناك موظفون متورطون في تمكين سجناء من طينة خاصة من ممارسة حميميتهم في مقابل رشاوى». واعتبر السجين السابق أنه رغم تمكين المثليين في بعض السجون من أجنحة خاصة، فإن الظاهرة تبقى من بين السلوكيات التي تطغى على سياسة إدماج السجناء بالمؤسسات السجنية.
يتذكر عز الدين، بعض الحكايات التي كانت تتناسل بشدة خلال قضاء فترة محكوميته بالمركب السجني «عكاشة»، والتي كان خلالها بعض حراس المعاقل يتعمدون فتح الأبواب لمجموعة من المثليين، الذين يرتدون باروكات واكسسوارات وأزياء نسائية، هامشا كبيرا من الحرية في التجول في الساحات، طلبا للمتعة في أحضان باقي المساجين مقابل بطاقات تعبئة هاتفية، أو طعام لائق، أو مبلغ مالي. كما تطرق عزالدين إلى الوضع الاجتماعي المتدني لموظفي السجون، والذين يعمدون إلى البحث عن مداخيل مكملة للعيش مع انخفاض رواتبهم، مما يجعلهم حسب الشاهد المذكور، المتهمين المباشرين في خلق بيئة خصبة لكل أشكال الممارسات والسلوكيات التي تتنافى والقوانين المتعلقة بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية بالمغرب.
تجارة من نوع خاص؟!
المفاجئات لاتنتهي. فحدود “مناطق التبادل التجاري” الحر، بالمؤسسات السجنية بالمغرب، قد تشمل حتى الرغبة في الترويح عن الجسد بسنتميرات إضافية في إطار الحصول على حيز من الخصوصية المكانية، فأمام إكراهات الازدحام المعيق لحرية الأجساد بالزنازين، تتعلق آمال السجناء في الحصول على مكان مريح بزنزانة أو حي أو حتى سجن آخر، بالمطامع غير المشروعة للموظفين في تحسين وضعيتهم المادية، مادامت غالبيتهم لاتتجاوز رواتبهم الشهرية سقف 2500 درهم.
بعيدا عن القانون المنظم، يبقى الخيار مطروحا وفقا للعرف السائد داخل هذه المؤسسات المؤتمنة على الإصلاح والتهذيب.
سجين حالي بسجن الزاكي بمدينة سلا، فضل عدم الكشف عن هويته، وفي اتصال هاتفي معه، صرح أن هناك تسعيرة خاصة وضعها أحد رؤساء الأحياء وبعض الحراس بالسجن المذكور، من أجل تحسين وضعية السجناء.
والمثير في تصريحات هذا الأخير، أن المشرفين المذكورين يتحكمان حتى في معدل الكثافة الخاصة بكل زنزانة على حدة .. «هناك تباينات على مستوى تقسيم السجناء على الأحياء والمعاقل والزنازين، فمثلا .. كاين زنزانة لتقدر تلقى فيها غير 2 ديال الناس .. في الوقت لي زنزانة أخرى تقدر تلقى فيها 54 سجين .. ماكاين غير جبد فلوسك والبلاصة لمخيرة ديالك»، يصرح المصدر الأخير، الذي أضاف أن المبالغ المدفوعة في سبيل الاستفادة من الخدمات المذكورة، قد تتراوح مابين 100 إلى 500 درهم.
هذا فقط في حالة الرغبة في الاستفادة من الانتقال إلى زنزانة مجاورة غير مكتظة، أما في حالة الانتقال إلى سجن آخر، فيبقى السبيل إلى ذلك، شبكة من الوسطاء الذين قد يحققون رغبة السجين مقابل ألف درهم كمقابل.
في المقابل، لا يتردد أحد المسؤولين بالمندوبية السامية لإدارة السجون والذي طلب عدم الكشف عن هويته في التقليل من حجم الظواهر السلبية بالمؤسسات السجينة، حيث اعتبر أن العديد من التصريحات التي يدلي بها السجناء لوسائل الإعلام، هي في الواقع اتهامات كيدية لموظفي المندوبية.
«يكون الدافع في مجمل التصريحات المرصودة، نية مبيتة في تصفية حسابات، أو لي ذراع الطاقم المكلف بتنظيم وتسيير المؤسسة السجنية من أجل الظفر بحق لا يكفله القانون للسجين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالمندوبية السامية لإدارة السجون، تعالج كل الحالات المضبوطة من انفلاتات وتجاوزات وخروقات يمكن أن يتورط فيها أحد الموظفين حسب القوانين المنظمة، فالمندوبية تبقى من الأجهزة الإدارية العمومية التي لا تتساهل مع خرق الضوابط القانونية المنظمة لتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، وفي هذا الإطار، فمنذ سنة 2008، تم اتخاذ العشرات من الإجراءات العقابية في حق المتهاونين والمتورطين، بمن فيهم الموظفون الذين تمت إحالة ملفاتهم على القضاء من أجل الفصل فيها».
سيرفيس فايف سطار!
قد ينجح العديد من السجناء في انتزاع حقوقهم باسم القانون، لكن الخدمات الاستثنائية داخل المؤسسات السجنية، أو مايصطلح عليه بين السجناء بـ “سيرفيس فايف سطار”، امتياز لمن يدفع أكثر.
من بين تلك الخدمات المرفهة التي قد يتحدد سقفها حسب المقابل المدفوع من أجل الظفر بها الحمام الذي حسب بعض الشهادات التي استقتها اللجنة النيابية التي زارت المركب السجني عكاشة مؤخرا، يبقى امتيازا وترفا لا يحصل عليه الجميع، فهو بارد شتاءا وصيفا حسب شهادات السجناء، وتستفيد منه غالبية النزلاء بمعدل مرة في الأسبوع، بينما أصحاب الحظوة أو نزلاء «جناح أبوظبي»، فهم يستفيدون من الحمام الساخن كل يوم، إضافة إلى ما ذكر فمحظيو «جناح أبوظبي»، يحظون بمعاملات خاصة، وبخدمات مميزة نظير كل مقابل، مادامت سلطة المال هي العملة السائدة.
حدود الحقائق الصادمة لاتقف عند هذا الحد. فالأنشطة التجارية المزاولة داخل السجون، تشمل كذلك بيع السجائر والمكالمات الهاتفية، فقد توقف تقرير اللجنة النيابية، بعد مطابقة معلومات وشهادات مستقاة من السجناء الذين جرى الإستماع إليهم داخل زنازينهم عند ملاحظات صادمة، حيث يتم بيع ما بين 3000 و 5000 علبة سجائر، بسعر يتراوح مابين 70 و 75 درهم، يتم جلبها عن طريق التهريب، وهي من النوع الردىء، ويتكلف ببيعها حراس السجن الذي يتولون جمع المبالغ المحصلة من المبيعات، وفي أحايين كثيرة يلجؤون إلى إعادة بيع علب السجائر التي يتحصلون عليها من السجناء في إطار عمليات مقايضة إلى محلات بيع التبغ حسب أثمنة تفضيلية.
وتضمن التقرير شهادات مستقاة من سجناء حاليين، كشفوا عن المتاجرة في استعمال الهواتف المحمولة داخل أروقة المركب السجني، حيث يخصص لهذه الغاية داخل السجن المذكور أكثر من 1000 هاتف محمول مقابل مبالغ مالية يدفعها السجناء، وتباع بطاقة التعبئة رصيدها 10 دراهم بــ 30 درهم، وتعبئة 20 درهم بـ 50 درهم، وذلك بمعدل أربع ساعات في اليوم لكل هاتف محمول.
عودة لزمن المقايضة!
السجناء والسجينات بالسجون المغربية يقتاتون إما عبر المؤونة الغذائية التي تزودها بهم عائلاتهم أثناء الزيارة، أو عبر الأكل المعد داخل السجن، حيث يتم توزيع خبزتين على السجناء، واحدة في الصباح وأخرى في المساء. بعض السجناء لا يكتفي بالوجبات المقدمة، بل يلجأ إما إلى مقايضة أغذية بأخرى، أو بيعها لسجناء آخرين مقابل مبالغ مالية، أو مقابل «بونات» العملة الأكثر رواجا بالسجن بعد السجائر، وهي تذكرة قيمتها 10 دراهم، تتم مقايضتها في دكان المواد الغذائية بالسجن والتي قد تعوض النقود التي تتم مصادرتها من طرف الحراس٠
عصام سجين سابق كان يتكلف رفقة «الشيف شوبمر» الذي لم يكن سوى ابن عمه، ببيع مواد التنظيف وشفرات الحلاقة للسجناء، واللحوم التي تأتيه من الزيارة: «الواحد كبيغي يطيب شي كاميلة، مللي كطلع المالكة ديال الحبس في الراس!» يقول عصام، ويؤكد أن بعض السجناء الميسورين، ممن يتوفرون على سخان كهربائي «ريشو» لا يتناولون أكل السجن إلا في مرات قليلة ونادرة بل يعيشون على مقايضة المواد الغذائية فيما بينهم أو بواسطة «البونات» تارة والسجائر والمخدرات تارة أخرى٠
ورغم أن كلفة «القفة» تثقل كاهل الأسر المعوزة ممن كتب عليهم حِمل تدبير مصاريف «القفة» الثقيلة لأهاليهم من السجناء، لكن معاناتهم هاته لن تدوم طويلا، فالمندوبية العامة للسجون تستعد لنشر طلبات للعروض للتعاقد مع شركات مختصة في المطعمة والتموين، سيُعهد إليها إعداد الوجبات اليومية للسجناء، قصد الحذف التدريجي لنظام القفف كآلية لتسريب المخدرات بشتى أصنافها، وتحسين نوعية الوجبات المقدمة للسجناء، بسبب قلة الأطر المتخصصة في الطبخ الجماعي.
«لوبي» تجاري يقوده السجناء السلفيون في السجون
نموذج آخر لسجناء أسسوا شبه «لوبي» داخل السجون يتعلق بالسجناء السلفيين، الذين أحكموا قبضتهم في فترة من الزمن على كل سجون المغرب، ومارسوا فيه جميع الأنشطة المحظوة كالتجارة، بعدما استطاعوا توحيد كلمتهم عبر تنظيم الاحتجاجات، لابتزاز موظفي السجون الذين كان أغلبهم يتحاشى الدخول معهم في صراعات اتقاء لـ«غضبهم» بعدما عصفت غضباتهم بكراسي مدراء مؤسسات سجنية٠
شهادة حية لأحد المعتقلين السابقين بسجن عكاشة الذي قضى عقوبة حبسية في سنة 2005، أكد فيها أن المعتقلين السلفيين ينشطون اقتصاديا داخل السجون، فلا حدود لتجارتهم التي تبتدأ ببيع الهواتف النقالة وشرائحها الإلكترونية بأضعاف ثمنها الحقيقي، فشريحة هاتفية قيمتها 20 درهما يمكن أن يبتاعها سجين بـ50 درهم، بالإضافة إلى بيع التجهيزات الإكترونية من قبيل أجهزة التلفاز والمذياع، والحواسيب!، وبيع الخبز و المسك وبعض العطور، والملابس، بل وحتى السجائر!، وكانت زنزاناتهم تحفل بجميع أنواع التجهيزات التي توجد في عالم الحرية٠
سجناء سلفيون آخرون يؤكد السجين السابق، كانوا يشكلون شبكة تتاجر في المكالمات الهاتفية، وبطاقات التعبئة «تيليكارط»حيث كانوا يمضون سحابة يومهم في البحث عن «الريزو» لزبنائهم من السجناء٠
هذا التكتل داخل السجن الذي قوته مداخيل التجارة، جعل السجناء السلفيين مهابين الجانب من طرف باقي السجناء، بل وحتى من أعتاهم بطشا، حيث استطاعوا فرض سطوتهم، لهم مكان مخصص في باحة السجن، يمارسون أنشطتهم وتجمعاتهم ونقاشاتهم، ويقيمون به الصلاة٠
كشفت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج في 11 من يوليوز الماضي، في تقرير جوابي لها بمجلس النواب، حول المهمة الاستطلاعية التي قامت بها أعضاء من لجنة العدل والتشريع في 24 ماي حول سجن عكاشة بالدار البيضاء، أنه تمت إحالة 22 موظفا على النيابة العامة، تورطوا في تلقي رشاوي من تجار مخدرات، حيث قررت النيابة العامة متابعتهم قضائيا٠
كما تحدثت لغة الأرقام كذلك عن كون مندوبية السجون عزلت 48 موظفا كان أكثرهم في سنة 2010، كما أحيل على التقاعد 6 آخرين وأوقف 183 موظفا بشكل مؤقت، فيما وجه توبيخات إلى 17 آخرين وإنذارات إلى 20 موظف.
كما أن المندوبية العامة للسجون سجلت أكثر من أربعة حالات للتحرش الجنسي بالسجناء، وتم ضبط سجينين يمارسان الجنس، وحالة وحيدة تعرضت لاعتداء جنسي، وقد تمت إحالة هذه الحالات جميعها على النيابة العامة، وقد أكد المندوب السامي في تقريره أن السجون المغربية تستقبل حالات لسجناء مثليين، لكن «يتم إيواؤهم بغرف خاصة بهم لعزلهم عن باقي السجناء، كما يتم مراقبة تحركاتهم»، كما عرج التقرير الجوابي أيضا على أعدد المركبات السجنية حاليا، التي يقدر عددها بالسبعين والمغطية لمجموع التراب الوطني، حيث تأوي حاليا حسب آخر إحصائية للمندوبية 68.000 معتقل، بينما تسمح طاقتها الإستيعابية باستقبال خمسين ألفا قط، إذ تغدو بذلك مستقبلة لما يفوق سعتها ب 18.000. وهو رقم هائل تعزوه المندوبية للاعتقال الأحتياطي، فـ52 في المئة من السجناء بالسجون المغربية هم موضوعون رعن الاعتقال الاحتياطي.