الجزائر تطالب فرنسا بإرجاع مدفع مقذوفاته من البشر
تقدمت الجزائر بطلب رسمي لدى فرنسا لاسترجاع مدفع “بابا مرزوق”، الذي أخذ شهرته من قذف أحد السفراء الفرنسيين عبر فوّهته، على مسافة خمسة كيلومترات قبل أربعة قرون.
وكشفت جون إيف لو دوريان، مستشارة بوزارة الدفاع الفرنسية، الجمعة الماضي، عن تلقي ”طلب رسمي أودعته الحكومة الجزائرية مطلع شهر يوليو الماضي لدى وزارة الخارجية لاسترجاع المدفع، ويجري دراسة الطلب”، وأضافت المسؤولة ذاتها أن “البحرية الفرنسية متمسكة بالمدفع بوصفه من ممتلكات وزارة الدفاع”.
واتصلت “العربية نت”، الأحد، بالمحامية فاطمة بن براهم التي تقود رفقة شخصيات وطنية أخرى حملة شعبية ووطنية لاسترجاع مدفع بابا مرزوق، فأوضحت أن “الجزائر أصبح بإمكانها الآن – وبقوة القانون الدولي – المطالبة باسترجاع المدفع الذي يعتبر رمز قوة الجزائر وسيادتها منذ قرون”.
استرجاع رؤوس بشر وخيمة الباي
وقالت المحامية بن براهم لـ”العربية نت” إن “القانون الدولي ومنظمة اليونسكو يمنحان الحق للدول لاسترجاع ممتلكاتها التي سلبت منها، بشرط إثبات ملكية الشيء المطلوب والتقدم بطلب للحصول عليه، وهما أمران متوفران في الجزائر”.
وكشفت المتحدثة أن “حملة المطالبة لن تتوقف عند مدفع بابا مرزوق وإنما تشمل أموراً أخرى استولت عليها فرنسا عند احتلال الجزائر، منها رؤوس شيوخ المقاومة الجزائرية، كما هو حال رأس الشيخ بوزيان وابنه اللذين أخذت فرنسا رأسيها بعدما فصلتهما عن جسديها، وهما الآن معروضان في أحد متاحف فرنسا”.
وأضافت المحامية بن براهم “هناك أيضاً خيمة لباي قسنطينة التي كان يجتمع تحتها ما لا يقل عن 100 محارب، وهذه الخيمة استولت عليها فرنسا بسبب جمالها وروعة نسيجها، وهي توجد أيضاً في أحد المتاحف الفرنسية”.
وقالت إن “اللجنة الوطنية للمطالبة باسترجاع التراث الوطني راسلت في هذا الشأن كلاً من الرئيسين اليامين زروال وعبدالعزيز بوتفليقة، وراسلت كل الهيئات الأخرى، ومنها وزارة الدفاع الوطني، ويفترض أن تستجيب فرنسا لهذه المطالب، إما طواعية وإما عن طريق القضاء الدولي”.
ولفتت المتحدثة إلى أن “الجزائر قدمت كل شيء هو ملك لفرنسا وآخر ما أخذت السلطات الفرنسية هو تمثال السيدة الإفريقية، وتمثال جان دارك الذي كان موجوداً في ساحة البريد المركزي بوسط العاصمة، وحتى نواقيس الكنائس تم أخذها، فلماذا لا نسترجع نحن مدفع بابا مرزوق رمز قوة الأسطول البحري الجزائري؟”.
قصة حقد عمرها قرون
وبخصوص رمزية مدفع بابا مرزوق، فتعني تسميته “رزق من الله”، وتم بناؤه عام 1542 في ورشات حربية تابعة لـ”دار النحاس” بحي القصبة التاريخي، ويبلغ طوله قرابة سبعة أمتار بينما يبلغ مداه قرابة خمسة كيلومترات، أي أنه يطلق قذيفة تصيب هدفاً على بعد خمسة كيلومترات من اليابسة.
وهو بهذا يمثل أقوى مدفع في العالم حتى اليوم، ويرمز لقوة الأسطول البحري الجزائري، حيث كان يجبر أساطيل الدول الكبرى على دفع الجزية مقابل المرور عبر سواحل الجزائر.
ولاستيلاء فرنسا على مدفع “بابا مرزوق” قصة حقد قديمة عمرها قرون من الزمن، حيث كان البحارة الأوروبيون ومنهم الفرنسيون يشنون حملات متواصلة لغزو الجزائر بهدف نشر المسيحية.
وفي القرن السادس عشر، وبعد حروب متواصلة بعث داي الجزائر بسفراء عنه ليبلغوا البحارة الفرنسيين بأن عليهم التوقف عن شن هذه الحملات، لكن القبطان الفرنسي قتل السفراء حرقاً، فما كان رد داي الجزائر بعدها سوى رمي سفراء فرنسا إليه عبر فوهة المدفع.
ووضع داي الجزائر الأبَ لوفاشي في فوهة مدفع بابا مرزوق، وأرسله مباشرة مع قذيفة المدفع إلى سفينة القبطان الفرنسي، لتتولد هذه الضغينة ضد مدفع بابا مرزوق، ويكون أول شيء يُسلب من الجزائريين بعد 11 يوماً من احتلال الجزائر صيف 1830.
إهانة “بابا مرزوق” في ميناء فرنسي
واليوم يوجد مدفع بابا مرزوق بميناء بريست الفرنسي، منصوباً وفوهته إلى السماء بشكل عمودي، وجرى غلق فوهته عمداً بمجسم لكرة أرضية يقف فوقها ديك فرنسي، للدلالة على أن فرنسا تحكم العالم. وتم الاستعانة بمجسم آخر يظهر ملكة فرنسية فوق رأسها تاج يشع أنواراً تتجه إلى امرأة سوداء تمد يدها ووراءها نخلة، وهذه إشارة إلى احتلال الجزائر ومزاعم نقل التحضر إلى هذا البلد.
وتصرّ فرنسا منذ 180 سنة على امتلاك مدفع “بابا مرزوق” وعدم تسليمه للجزائر، وتعتبره من ممتلكاتها.
وبمناسبة ذكرى استقلال الجزائر أزاحت وزارة الدفاع الجزائرية النقاب عن مجسم لمدفع “بابا مرزوق” بكل التفاصيل، في إشارة إلى تمسّك الجزائر به حتى يتم استرجاع المدفع الأصلي.