مُوَاقِيت: القَانُونُ الوَضْعِي والشَّرِيعَةُ الإِسْلَامِيَّةُ بِإِمْكَانِهِمَا أَنْ يَتَعَايَشَا
في غضون اتساع نطاق الجدل على أعقاب ما عرفه العالم العربي من تغيير منذ ثمانية عشر شهراً، بشأن إمكانية العودة إلى الشريعة الإسلامية في وضع قوانين الدول التي حصل فيها تغيير، أو بلغ بها الإسلاميون مراقي السلطة، قال محمد مواقيت، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء في حوار أجرته معه مجلة جون أفريك مؤخرا، إنه “إذا ما استثنينا بعض الدول النادرة التي لا زالت تطبق القانون الإسلامي بحزم كالمملكة العربية السعودية وإيران، فإن مجال تطبيقه أي القانون الإسلامي قد أضحى يضيق أكثر فأكثر لينحصر في دائرة الأحوال الشخصية” إذا علمنا أن جل القوانين في البلدان العربية حالياً ذات طبيعة وضعية ما عدا الأحوال الشخصية، فالقانون المدني أو القانون العسكري قانونان وضعيان، وإن كان لتأويل القاضي في بعض الأحيان دور في أخذ الشريعة بعين الاعتبار”.
ويردف مواقيت أن” المجتمعات تغيرت بشكل كافٍ حتى لا تكون هناك عودة كاملة إلى الوراء في التشريع. وعليه يتوجبُ على الإسلام السياسي أن يجد حلاً للمأزق المتبدي بين أخلاقيات الاقتناع وأخلاقيات المسؤولية لصالح هذه الأخيرة” في إحالة منه إلى تمييز عالم الاجتماع الألماني، ماكس فيبر، بين بين نوعين من الأخلاق؛ أولهما أخلاق الاقتناع المتأطرة ضمن كل من الدين والايديلوجيا، ثم أخلاق المسؤولية القائمة في جوهرها على ثقافة المحاسبة وعدم ربط الأشياء بما هو غيبي أو مثالي.
وبخصوص السجال الذي استعر حول الخمر في المغرب، يرى مواقيت ” “أن إسلاميي العدالة والتنمية صرفوا النظر عن فكرة منعه، إذ على الرغم من وجود تشريع يمنع رسميا بيع الخمر للمسلمين، إلا أن المشكل يكمن في إدخاله حيز التطبيق. فمن شأن خطوة من ذلك القبيل أن تؤثر على العائدات الضريبية التي تجنى من بيع المشروبات الكحولية”.
ويضيف الباحث أن الشريعة ظلت حاضرة بقوة في النفوس والعقليات منذ بزوغ النهضة الإصلاحية في القرن التاسع عشر، إذ بدت فكرة إعادة فتح الأبواب أمام الاجتهاد على حظ من الإلحاح، كما أن جسارة رجال القانون رامت الملاءمة بين قيم التقدم وروح الشريعة. والعكس صحيح. بينما يحاول البعض في الوقت الراهن أن يستنبط انطلاقاً من القواعد الإسلامية مساواة بين الرجل والمرأة في موضوع الإرث” ليخلص مواقيت إلى أن الرجوع إلى الشريعة لم يعد حكراً على العلماء دون سواهم، بل غدا يشملُ عدة أطراف منتجة للمعنى الديني.
ورداً على سؤال بشأن إمكانية الملاءمة بين الشريعة والقانون الوضعي، ذهبَ مواقيت إلى أنهما لا يتعارضان، فـ”رغم وجود تباينات إلا أن المرجع النهائي للدولة هو الدستور “القانون الأساسي”. ففي مصر على سبيل المثال، يمثل القانون الإسلامي المصدر الأساسي للتشريع منذ 1980، إلا أن المحكمة الدستورية العليا لم تأول المبدأ بشكل يجعل الشريعة قاعدة متبناة في النظام القضائي”.