الشقوري: يجب مناقشة “الحريات الجنسية” بعيدا عن الثنائيات القاتلة
الشقوري: ضرورة خلق نقاش معرفي هادئ داخل المجتمع حول مسألة الحرية الجنسية وغيرها من الأسئلة الفكرية… وأن تقود هذا النقاش كل المكونات الفكرية والعلمية داخل المجتمع بمختلف تخصصاتها دون أي إقصاء (أفرادا ومؤسسات ومراكز بحث).
طغى مؤخرا على الساحة الإعلامية المغربية نقاش حول “الحرية الجنسية” باعتباره يدخل ضمن “الحرية الفردية للأشخاص” وتمّ تصنيف النقاش، أو قل تعويمه ضمن ثنائية إسلامي- حداثي، وحضر التجييش الايديولوجي الفكراني وغاب الطرح الفكري العميق الجانح إلى نعمة الاستيعاب بدل التعويل على آفة الاستقطاب المدمر لروح الطرح المعرفي.
لمناقشة هذا الموضوع بعيدا عن آفة الاستقطاب في محاولة مقاربة السؤال في بعده المعرفي الأصيل، كان الاتصال بالباحث في الفكر الإسلامي الدكتور جواد الشقوري، والذي اعتبر من جهته أن النقاش في الحالة المغربية حول الحقوق الفردية، ومنها “الحرية الجنسية”، “ليس نتيجة تعدد النماذج والمقاربات فقط، إنما هو أيضا نتيجة تعدد المرجعيات؛ تعدد (مسكوت عنه) يتخفى وراء تعدد النماذج والمقاربات. وبالتالي فإن المدخل المعرفي الذي يعمق النظر في طبيعة المرجعية الفكرية التي تصدر عنها جملة المواقف يُعتبر مدخلا أساسيا لفهم واستيعاب النقاش المتجدد حول سؤال الحرية الجنسية”.
واعتبر الشقوري أن نقاش الموضوع ضمن ثنائية: “مرجعية سلفية-إسلامية” و”مرجعية حداثية-علمانية” نماذجَ لفهم وتفسير النقاش الدائر حول مسألة الحرية الجنسية، هو “تضنيف سياسي بالدرجة الأولى، ويوهم بأن المرجعية الأولى مرجعية تاريخية تراثية والثانية مرجعية عقلانية ومُواكِبة للعصر! وهذا الأمر ليس صحيحا بالمرّة؛ فقد نكون أمام سَلفيات كثيرة: سلفية تبني نموذجها من التاريخ الإسلامي، وأخرى تستلهمه من التاريخ الغربي، وثالثة تؤسسه بالمزج بين تواريخ ثقافية وحضارية مختلفة. رغم أن المدخل السليم هو تحديد بدقة طبيعة المرجعية المعتمَدة، ثم النظر في الاتساق بينها وبين الآراء المولّدة من رحمها”.
وأضاف الباحث في الفكر الإسلامي بأنه “عندما يغيب النقاش على مستوى المرجعيات المعتمَدة في المقاربات المختلفة فإن كل واحد يمكن أن يحدد المفاهيم كما يريد، ويمكن أن ينتصر لموقفه على حساب المواقف الأخرى”.
واستغرب خريج دار الحديث الحسنية غياب دور مؤسسة العلماء والمؤسسات الدينية التي كرست “ظاهرة” الانسحاب من الواقع والتفاعل مع إشكالاته الفكرية الكبرى، إلى درجة أن مارس العالم على نفسه نوعا من الرقابة الذاتية. متسائلا: “ما الذي يمنع العلماء من التعاطي المؤسساتي مع القضايا القيمية الكبرى التي تثير نقاشات سياسية داخل المجتمع، وعلى رأسها مسألة الحريات الفردية خاصة الحرية الجنسية، وتكون المناقشة مناقشة معرفية وفكرية؟”.
وعن غلبة السياسي على المعرفي في النقاش حول مسألة “الحرية الجنسية” قال الشقوري: ” إن ما هو سياسي يكون عائقا عندما يتحوّل إلى مؤطر محوري لمقاربة الأسئلة الفكرية، وعندما يصبح بمثابة الوتد الذي تدور حوله كل الأبعاد الأخرى الثقافية والمعرفية وحتى الدينية. وهذا المنحى في التفكير والممارسة يجعل المقاربات المسكونة، بما هو سياسي، بعيدةً عن المنحى التأسيسي الذي يُقرّب ويقارب الإشكالات والظواهر والوقائع بشكل منهجي ودقيق”.
كما عاب الشقوري على الحركة الإسلامية المغربية افتقارها لما سماها بـ”تقاليد من البحث العلمي متخصصة في مناقشة ومقاربة الإشكالات المعرفية الكبرى التي يحبل منها الواقع المغربي؛ كإنشاء مراكز للدراسات والأبحاث تكون متفرغة وقادرة على خلق التراكم المعرفي، وتتميز بنوع من الاستقلالية”.
واعتبر الشقوري أن “معظم الآراء التي تتبناها الحركة الإسلامية والمتعلقة بقضايا فكرية معينة، لا تستند إلى عمل فكري مؤسساتي إنما هي آراء فردية تنقصها الدقة. خذوا مثلا إشكالية الحرية الجنسية والحريات الفردية فلسفةً وممارسةً، فإلى حد الآن لا نتوفر حسب معرفتي على عمل فكري علمي مغربي يستند إلى الرؤية الإسلامية يكون دقيقا وثقيلا في المقاربة، لكن في المقابل نجد أن هناك تضخما بخصوص المواقف تجاهها! هناك فقر معرفي لدى الحركة الإسلامية”.
وأكد الباحث في الفكر الإسلامي على ضرورة خلق نقاش معرفي هادئ داخل المجتمع حول مسألة الحرية الجنسية وغيرها من الأسئلة الفكرية… وأن تقود هذا النقاش كل المكونات الفكرية والعلمية داخل المجتمع بمختلف تخصصاتها دون أي إقصاء (أفرادا ومؤسسات ومراكز بحث). داعيا إلى الابتعاد عن الثنائيات القاتلة (على غرار “الهويات القاتلة” لدى أمين معلوف) كعلماني وإسلامي، حداثي وأصولي، الإسلام والغرب… وأن نناقش الرؤى والمرجعيات بعيدا عن التصنيفات. ونرى ضرورة أن تنخرط مؤسسة العلماء في هذا النقاش. وهذا هو السبيل إلى خلق تراكم معرفي سيساهم في تجسير الهوة بين المختلفين.